ثم يقول: (وفي كتاب
كيتا: كيف ينال الخلاص من بدد قلبه ولم يفرده لله؟!). ونريد أن نبين أن هناك أصلاً قد تشترك فيه الأديان جميعاً، فقد نشترك نحن -المسلمين و
اليهود و
النصارى و
الصوفية - في أشياء معينة وفي مطالب معينة، ولا يعني ذلك أن الدين واحد، فالاتجاه في الأصل واحد، وهو أن الرب المعبود واحد، لكن طرقنا تختلف بحسب الحق والباطل، فالحق هو الذي عليه المسلمون، والباطل هو الذي حرفه وغير فيه غيرهم. يقول: (كيف ينال الخلاص من بدد قلبه ولم يفرده لله ولم يخلص عمله لوجهه؟! ومن صرف فكرته عن الأشياء إلى الواحد ثبت نور قلبه كثبات نور السراج الصافي الدهن في كن لا يزعزعه فيه ريح، وشغله ذلك عن الإحساس بمؤلم من حر أو برد؛ لعلمه أن ما سوى الواحد الحق خيال وباطل)، وهذا الكلام قد تجد مثله في
إحياء علوم الدين للغزالي أو غيره، وعند التأمل تجد أن أصل هذا الكلام مقارب لقوله تعالى: (( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ... ))[النور:35] الآية، ولكنه بعد ذلك حرف وغير وبدل، فالأصل والمنبع واحد، لكن بعد ذلك كان الانحراف، فعندما يتصور أن ذلك الإحساس يشغله حتى لا يشعر بمؤلم من حر ولا برد هنا يمد ذلك الرهبان
الهندوس مداً، فيصبح الإنسان منهم يتعبد في الخلاء ويتعرى في الجبال ولا يبالي بحر ولا ببرد، بخلاف ما لو قال ذلك أحد على سبيل الزيادة في الصبر والتحمل لا أكثر. يقول: (وفي كتاب
سانك : وكل شيء يظنه غاية له فإنه لا يتعداه)، فكل شيء يظنه غاية له لا يتعداه، فعلى العاقل أن لا يجعل له غاية قريبة، وأن يجعل غايته هي المعبود. قال: (وفي
كيتا : إن من عرف عند موته أن الله هو كل شيء ومنه كل شيء فإنه متخلص وإن قصرت رتبته عن رتبة الصديقين). أي أن المهم معرفة أن الله كل شيء ومنه كل شيء، فالصديقون يعبدون الله ويجتهدون في عبادته، لكن لو أن أحداً اعتقد أن الله هو كل شيء ومنه كل شيء فإنه يتخلص مثلهم وإن كان أقل منهم عملاً. وهذا مثل قول
الصوفية : توحيد الخاصة، وتوحيد خاصة الخاصة، وتوحيد العامة، ((
تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ))[البقرة:118].ثم يقول: (اطلب النجاة من الدنيا بترك التعلق بجهالاتها، وإخلاص النية في الأعمال، وقرابين النار لله، من غير طمع في جزاء ولا مكافأة)، أي: اترك الدنيا وتخلى عنها من أجل الله، من غير طمع في جزاء ولا مكافأة، هذا أصل اعتقاد
الهندوس ، وينقلون أن
سقراط الفيلسوف اليوناني المعروف قال ذلك، وهو وغيره من فلاسفة
اليونان أخذوا هذا العقائد من فلاسفة
الهند، فأصلها جميعاً من
الهند ، وهذا أيضاً ثابت في علم مقارنة الأديان المعاصر. يقولون: إن
سقراط لما حكموا عليه بالإعدام وجاءوا به ليقتلوه قال: ينبغي أن لا تنحط رتبتي عند أحدكم عن رتبة قوقن. وهو الذي يقال: إنه طائر أبلو الشمس؛ فإن هذا الطائر إذا أحس بموته أكثر الألحان طرباً وسروراً حتى يموت، هكذا اختص الله هذا النوع من الطيور، ويسمونه طير أبلو. فيقول: أنا الآن سأذهب إلى ربي، فيجب أن أكون فرحاً وأن تكونوا أيضاً مثلي فرحين، ولا أقل من أن يكون فرحي كفرح هذا الطائر بوصولي إلى معبودي. يرى أنه سيصل إلى ربه وسيتحد به في اعتقاده على ما ينقل في دين
الهندوس .يقول
البيروني: (ولهذا قالت
الصوفية في تحديد العشق: إنه الاشتغال بالحق عن الخلق) وهنا نلحظ أن
البيروني كلما أتى بعقيدة من عقائدهم ونقل كلامهم يقول: وقالت
الصوفية ؛ ليثبت أن
الصوفية أصلها هذا الدين الهندي.